نص عهــــد الطفـــــولة

لطه حسين

التعريف بالكاتب:

هو الدكتور طه حسين من أشهر أعلام الأدب العربي الحديث، ولد عام 1889م بصعيد مصر في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا، درس في مدينته

 حتى الرمحلة الثانوية، حيث حفظ القرآن الكرويم في سن مبكرة، أرسله أبوه إلى القاهرة للدراسة في الجامعة.

ظهر نبوغ طه حسين منذ صغره، حيث كان يُباري أساتذته في العلم والمعرفة. تخرج في الجامعة المصرية ثم جامعة السربون في باريس، تولى عمادة

 كلية الآداب ثم وزارة التربية والتعليم، توفي عام 1973م.

لُقّب بعميد الأدب العربي، فقد كان كاتبًا وناقدًا ومترجمًا وروائيًا.

 

مؤلفاته:

- الأيام (سيرته الذاتية).

- دعاءُ الكروان.

- شجرةُ البؤس.

- مرآةُ الإسلام.

- على هامشِ السّيرة.

- حديثُ الأربعاء.

 

الفكرة العامة:

ذكريات الكاتب مع سرده لبعض ذكريات طفولته عندما كان في الثالثة عشرة من عمره.

الأفكار الفرعية:

1- إشفاق الكاتب على ابنته وحرصه عليها.
2- صفاته وهو فتى في الثالثة عشر من عمره.
3- جده في الدرس والتحصيل.
4- صبره على ما كان يعانيه من شظف العيش.
5- حرصه على رضا والديه.

نوع النص: مقال أدبي ينتمي إلى فن السيرة الذاتية.

 

المفردات:

لساذجة: الساذج هو الطيب الذي يحسن الظن بكل الناس

يتأثرونهم: يقلدونهم

أقرانهم: مفردها (قرين) وهو الصاحب أو الصديق

يفاخرون: يتباهون بما فيهم من محاسن

يطيق: يتحمل

الطور: الفترة من العمر والجمع (أطوار)

رقَّة: لطف ولين

تجهشي بالبكاء: تبكين بحرقة

أُغرِيكِ بالضحك: أحثُّكِ عليه

نحيفا: ضعيف الجسم

شاحب اللون: مصفر اللون من شدة الجوع والتعب

الزي: الملبس

قاتم: شديد

متبرما: ساخطا غاضبا

نعليه: مفردها (نعل) وهو الحذاء

الباليتين: مفردها (البالية) وهي القديمة

رثة: رديئة

 

الشرح:

يوجه طه حسين حديثه إلى ابنته التي لم تتجاوز التاسعة من عمرها، في هذه السن حيث يتخذ الأطفال من آبائهم وامهاتهم قدوة لهم في القول والعمل،

كما يرون في آبائهم أنهم خير من الرجال، ويتحاشى الكاتب ذكر جانب من حياته عندما كان فقيرا، خوفا على مشاعر ابنته وحتى لا يثير فيها الشفقة والحزن.

أراد طه حسين ان يضع ابنته امام صورة حيّة لأبييها في الثالثة عشرة من عمره من خلال هذا الوصف الحسي والمعنوي، والذي لا تستطيع ابنته أن تعيش

جزءًا منه؛ حيث كانت الحياة قاسية.

كذلك كان طه حسين يكذب على أبويه، فكان يسرد لهما الكاذيب حول سعادته، ليس لأنه يحب الكذب ولكن خوفا وإشفاقا على أبويه من القلق والتوتر،

كذلك خوفا على أخيه الذي خاف الكاتب أن ينقص من زاده ليعطيه نصيبه.

وهكذا استطاع طه حسين بعبقرية غير مسبوقة أن يُدخل إلى قلب ابنته أن أباها مستحق للفخر والثناء منها ومن غيرها لما عاناه في الوصول إلى هذه المكانة المرموقة في المجتمع.

 

صفات الكاتب الجسدية:

نحيفا، شاحب اللون، مهمل الزي، أقرب إلى الفقر من الغنى، عليه عباة قذرة، طاقيته استحال لونها للسواد، يلبس نعلين باليتين، بصره مكفوف، واضح الجبين،

مبتسم الثغر.

الصفات الكاتب المعنوية:

صبي ذو جدّ وعمل، متفائل، مصغيا إلى الشخ، لا متألما، لا متبرما، لا مظهرا ميلا إلى الشكوى، جادًا مبتسما للحياة، محرومًا لا يكاد يشعر بالحرمان،

مسرعا إلى العلم لا يتردد.

 

مظاهر الجمال:

- إنَّ أباك يبذل من الجهد: أسلوب خبري مؤكد بإنّ غرضه الوصف والتقرير.

- أليس الأمر ...؟ ألستِ ترَيْنَ...؟: أسلوبا استفهام غرضهما التقرير والتوكيد.

- يبذل من الجهمد ما يملك: استعارة مكنية، حيث شبه الجهد بشيء مادي يُبذل.

- باب من أبواب الحزن: استعارة مكنية، حيث شبه الحزن بالبيت الذي له باب.

- فتحت قلبك الساذج: استعارة مكنية، حيث شبه القلب بالباب.

- يطيق – لا يطيق: طباق سلبي غرضه توضيح المعنى.

- الأفعال المضارعة: تفيد التجدد والاستمرار واستحضتر الصورة.

- يا ابنتي: أسلوب إنشائي نوعه نداء غرضه الحب والعطف.

- لقد عرفت أباك: أسلوب خبري غرضه التقرير.

- تقتحمه العين اقتحاما: استعارة مكنية، حيث شبه العين بالعدو.

- يلتهم الكلام التهام: استعارة مكنية، حيث شبه الكلام بالطعام.

- كان نحيفا شاحب اللون: كناية عن الضعف.

- لا تظهر على وجهه الظلمة: كناية عن صدق عزيمته وإراته القوية.

- تراه في حلقة الدرس مصغيا: كناية عن شدة الانتباه.

- أخذ ينظم لهما الأكاذيب: استعارة مكنية، حيث شبه الأكاذيب بالعِقد الذي يُنظم.

- كان أبوك جادا مبتسما: كناية عن الجد والتفاؤل.

 

التعليق على النص

- سمات الأفكار:
1- مرتبة ومتسلسلة:

فالمشهد الأول تمهيد للمشاهد التالية، وبوابة العبور إلى مضمون النص وجوهره.حيث يبرز كفاح الكاتب ومثابرته، وكيف استطاع أن يشق طريقه،

وأن يهيئ لنفسه ما لم يستطع أن يهيئه لنفسه كثير غيره ،ويختتم الكاتب المشاهد بالإشارة إلى أسباب تخطيه مرحلة شظف العيش، وعوامل انتصاره على الواقع.

 

2- تنطلق إلى فضاء الإنسانية:

فالبيئة الاجتماعية الفقيرة وصعوبات الحياة والصبر على المكاره، والتصميم على تحقيق الطموح رغم الإعاقة ،كل هذه الأحوال والظواهر تقع ضمن

دائرة السلوك الإنساني في كل مجتمع. والكاتب عندما يعرضها إنما يعرض قصة نجاح إنساني من الممكن أن تتكرر في أي مجتمع آخر من المجتمعات البشرية.


3- تحليل المواقف وتجسيم المشاهد:

فهو يصور أعماق ذاته من خلال رؤية واعية للنفس البشرية ،وبصر نافذ إلى طبائع الناس، وبهذا أصبحت السيرة الذاتية في ضوء هذا التحليل فنا يعتني

بالإنسان الفرد على أساس من الصدق والواقع التاريخي.

 

3- العاطفة:

عاطفة الكاتب متعددة الأبعاد ، تتجلى في جانب من جوانبها عاطفة الأبوة المتمثلة في حب الكاتب لابنته، وحرصه على أن يوفر لها كل أسباب

الراحة والسعادة ورخاء العيش، كما تتجلى فيها عاطفة الحزن والأسى لطفولته الشقية ، وعاطفة الحرص على والديه وإشفاقه عليهما، وعاطفة

إعجابه بنفسه وبتجربته الذاتية،وربما حققه من مكانة يعجز عن تحقيقها كثير من أصحاب العقول والإرادات . وعاطفة الكاتب في كل مناحيها

عاطفة صادقة وقوية ،موجهة لكل من الابنة والكاتب نفسه.


4- التعبير:

أ- الألفاظ الملائمة للمواقف والأحاسيس:

لغة التعبير في النص لونتها عاطفة الكاتب الجياشة ،فجاءت موافقة للمواقف والمشاهد المختلفة، كما مالت إلى السهولة والوضوح لتناسب

أسلوب الحكاية والسرد القصصي.

وقد استخدم الكاتب ضمير الغائب في الحديث عن نفسه؛ ليثير رغبة المتلقي في معرفة المتحدث، وليبتعد عما يكرهه الناس من الحديث عن النفس بلفظ "الأنا".


ب- الترادف:

ومن خصائص التعبير في النص،ميل الكاتب إلى استخدام الترادف،لينفذ بهما إلى وجدان القارئ ،وهو يحرص على توفيرهما في ترسله ،ولو اضطر

إلى التكرار من غير وعظ ممل أو تحليل مخل،ومن الأمثلة على ذلك قوله:" واضح الجبين ، مبتسم الثغر"  "لا تختلف خطاه، لا يتردد في مشيه".

وفي وصف ابنته: " ساذجة طيبة" فساذجة تتفق في الدلالة مع طيبة.

والكاتب في ميله إلى استخدام الترادف ،يسعى لبسط أفكاره وتقليبها لتحقيق الوضوح، ودفع الإبهام ،وتحريك النفس واستثارة العواطف.


ج- توكيد الأفكار:

ومن ملامح التعبير في النص التوكيد المعنوي للأفكار بأدوات التوكيد المختلفة من مثل: (إنّ، لام التوكيد، قد، استخدام المفعول المطلق)، ومن أمثلته:

"إنك يا بنيتي ساذجة"، " لقد عرفته"، "وإني لأعرف" ، "وإني لأخشى ، "إن أباك أحبك حقا" ، "وجدّ في إسعادك حقا".

ومن التكرار اللفظي قوله: " لن أحدثك بشيء مما كان عليه أبوك ،لن أحدثك بشيء من هذا".

ومن أمثلة التوكيد بالمفعول المطلق: " تقتحمه العين اقتحاما ، يلتهم كلامه التهاما".


د- المحسنات البديعية:

أدت المحسنات البديعية دورها في التأثير والإقناع ،فجاءت الطباقات لتبرز تقلبات الزمن في حياة الكاتبـ، وحالة التناقض بين الطفولتين . طفولته بما

فيها من تعثر ومعاناة ومرارة ؛ وطفولة ابنته وما تنعم به من سعادة ولين: " هدوء الليل وبهجة النهار" ، " البؤس والنعيم" ، " اليأس والأمل"،

" الفقر والغنى" ، " الشقاء والسعادة".

ومن المحسنات كذلك حسن التقسيم والازدواج في قوله: " لكذبت كثيرا من ظنك ولخيبت كثيرا من أملك" وقوله : " فبدله من البؤس نعيما،

ومن اليأس أملا ،ومن الفقر غنى ، ومن الشقاء سعادة".

وحسن التقسيم يحدث إيقاعا وتنغيما موسيقيا يكسب النص جمالا ورشاقة.


هـ - الأساليب الإنشائية والخبرية:

يستخدم الكاتب الاستفهام التقريري بكثافة حيث يطلق من خلاله مجموعة أحكام ؛ليجعل القارئ والمتلقي يشاركه الرأي فيها ويقر بصحتها، كقوله:
- ألست ترين أن أباك خير الرجال وأكرمهم ؟
- ألست ترين أنه كان كذلك خير الأطفال وأنبلهم؟
- ألست مدينة لهذا الملك بما أنت فيه؟
ونجد ذلك أيضا في الأمر كقوله: " انظري" وغرضه الحث.
والنداء : "يا ابنتي" وغرضه إظهار ما يختزنه قلبه من مشاعر الحب تجاه ابنته.

5- التصــــــــــوير:

يجيد طه حسين الوصف التصويري، فليس التصوير عنده مقصورا على التشبيه والاستعارة أو الكناية، بل يمتد إلى تصوير الوقائع، والأحوال،

والتغلغل في أعماق النفس ، ونقل ما يدور من أحوال تحلو حينا وتكون مرة أحيانا أخرى ،تبعا لتقلبات الزمن عليه، فنصغي إليه مأخوذين برشاقة

حديثه ،ودقة تصويره.

ويتبين ذلك وهو يعرض علينا صورة ذلك الأزهري الضرير فتلاحظ صورة دقيقة نلمح خطوطها في حركة هذا الصبي ،وهو يتردد على الأزهر مسرعا

مع قائده ،لا يختلف خطاه. وفي لون نراه في الوجه الشاحب، والعباءة القذرة ،والطاقية التي استحال بياضها إلى سواد ،وفي صوت نسمعه في

حديث الأستاذ إلى تلاميذه، و وقع خطا الصبي.

إنها صورة حية مائجة بالحركة ، تشعرك بأن التجربة التي تقرؤها هي تجربتك ؛فتعيشها بصميم كِيانك .

ومع الصورة الكلية التي رسمها الكاتب تأتلف الصور الجزئية.
وتظهر الاستعارة المكنية في قوله:
" هذه الظلمة التي تغشى وجوه المكفوفين"
" يلتهم الكلام التهاما" حيث يصور الكلام طعاما شهيا ، وهي توحي بالإقبال الشديد على طلب العلم ومتابعته.
" لفتحت إلى قلبك الساذج ،ونفسك الحلوة ، بابا من أبواب الحزن"
وهكذا تلعب صور الكاتب دورها في عملية الإبداع الفني ،ألا ترى إبداعا فنيا في تصوير الكاتب وقدرته الفائقة على الوصف؟ وهو ذلك الكفيف الذي

لا يبصر بعينيه ،ولكنه يبصر ببصيرته ،ويحدد الأشياء وطبيعتها بصوته؟!